ظل تكوين المادة الذريّ حتى وقت قريب، سرًّا مغلقًا على نفسه، وكل ما كان يفعله الكيميائيون، أو الفيزيائيون الأوائل، هو الوصول بالمادة إلى تحليلها الجزيئيّ- مجموعة من الذرات مترابطة معًا بأحد الروابط الكيميائية – وذلك حتى عام 1896م، تاريخ اكتشاف التكوين الذريّ، من قبل العالم الفيزيائيّ أرنست رذرفورد.
وكان اكتشاف راذرفورد للتكوين الذريّ للمادة سبقاً علميًّا خطيرًا؛ حيث تمّ به التو صل إلى البنيّة الأوليّة للمادة، والذي ترتب عليه الفيزياء الذريّة الحديثة فيما بعد، ثم توالت الأبحاث الذرية من قبل العلماء على ماهيّة تكوين الذرة ذاتها؛ حيث ثم تم اكتشاف جسيمات دقيقة تحت الذريّة، ومن هذه الجسيمات كان النيوترون، ومن ثم كتلة النيوترون، وهو موضوع مقالنا، فتابعونا.
التكوين الذريّ للمادة
المادة هي كل ما يحيط بنا، وما يمكن أن نلمسه بأيدينا، لكن المادة في الفيزياء، ليست هي كل شيئ؛ فهناك أشياء أخرى غير مادية مثل الضوء، والموجات الكهرومغناطيسيّة بصفة عامة، وغيرها، ولكن جميعهم ينتهي إلى منشأ دقيق هو الذرة، وهي البنيّة الأوليّة لكل هذا.
والذرة ذاتها لها بنيويّة خاصة بها؛ حيث أثبت راذرفورد بعد تقسيمه للذرة، أنها تنتهي إلى جسيمات أدقّ منها هي النواة، وهي موجبة الشحنة، وتمثّل مركز كتلتها، ومنطقة شبه خالية تحيط بها، لم يكتشف كنهها بعد.
وهذا ما أتاحته التكنولوجيا الفيزيائيّة آنذاك، حتى عام 1896م، تاريخ اكتشاف الذرة، هذا السبق العلمي فتح الباب على مصراعيه أمام العلماء؛ للتنافس فيما بينهم في اكتشاف ذلك الجسيم الدقيق، وتكوينه الدقيق.
ومع التقدم التكنولوجيّ الموازي لهذا الاكتشاف، تمّ رسم البنيّة الفيزيائيّة للذرة- نموذج راذرفورد- وتم رصد مكوناتها تحت الذريّة، فتبين أنها، تتكون من نواة، وهي مركز الذرة، موجبة الشحنة- متمثلة في البروتونات- تدور حولها مجموعة من الإلكترونات، في مدارات محددة، تنتهي إلى سبع مدارات، والمدار الأخير هو الذي يحدد نشاط الذرة، وبالتالي المادة ذاتها.
اكتشاف النيوترون
لم يكتف العلماء بما وصلوا إليه من اكتشافهم للذرة وتكوينها، من البروتونات، والإلكترونات؛ فظلت نواة الذرة محلّ بحث للوصول إلى تركيب هذا اللبّ للذرة، الذي يمثّل مركز ثقلها، وكذلك البحث في سرّ دوران الإلكترونات حولها دون فكاك عنها، في الظروف العادية.
حتى جاء العالم الفيزيائي جيمس تشادويك، فيما بين عام 1917م، وعام 1932م؛ ليكمل ما انتهى إليه راذرفورد، والعلماء اللاحقين له، ويكتشف التكوين الدقيق لنواة الذرة، أنها تحتوي على كل من البروتونات- موجبة الشحنة – وأيضا جسيمات أخرى هي النيوترونات- متعادلة الشحنة – ومن هنا جاءت تسميته بالنيوترون، ويختلف عدد كل من البروتونات، والنيوترونات في نواة الذرة، من ذرة مادة لأخرى.
كتلة النيوترون
النيوترون هو جسيم دقيق متناهي الصغر- تحت ذري- يوجد بصفة أساسيّة بنواة الذرة، ويشكّل فيما بينه وبين البروتون مركز كتلتها،
وقد استطاع تشادويك حساب كتلة النيوترون من خلال تجربته على البيريليوم، واختياره لذرة البيريليوم للتجربة؛ لأن تركيبها الذريّ بسيط، وكتلتها معلومة، وتساوي (9) كتلة ذرية.
وبالتالي فالمتعيرات بالنسبة لها محدودة، فقام بإثارة ذرة البيريليوم، بواسطة قذفها بشعاع ألفا المنبعث من عنصر البولونيوم بعد إثارته، وفي وجود مجال كهربائيّ، محيط بشعاع ألفا النافذ من الذرة، التي تم قذفها بهذا الشعاع، وفي مواجهتهه شمع البرافين.
وبالفعل صدق حَدْس جيمس تشادويك؛ حيث لاحظ انبعاث جسيمات مصاحبة لشعاع ألفا، وقد تدفقت في طريقها دون أن تنحرف بفعل المجال الكهربائيّ، تاركةً أثرها في شمع البرافين، ومن هنا استنتج وجود تلك النيوترونات وأنها متعادلة الشحنة؛ حيث أنها لو كانت تحمل أي شحنة، لانحرفت عن مجال شعاع ألفا، سواء بالتجاذب، أو بالتنافر مع المجال الكهربائيّ المحيط بها.
ومن هنا تمّ حساب كتلة النيوترون؛ حيث بلغت كتلته 1.67 ×10 -27 كغم، هو متعادل الشحنة أيضًا، مع ملاحظة أن كتلة النيوترون أكبر بكثير من كتلة الإلكترون؛ حيث تبلغ كتلة النيوترون بالنسبة لكتلة الإلكترون 1840 مرة.
ومنذ زمن جيمس تشادويك، ومازالت الذرة محلّ بحث وتجريب من قبل العلماء، بل تضاعفت عما كانت عليه من ذي قبل، وكان من ثمرة ذلك، الانشطار النووي، والقنبلة الذريّة، وما زال المستقبل يحوي في طياته الكثير.