تعدّ السفن من أقدم وسائل النقل عبر التاريخ، منذ أن قرر الإنسان خوض البحر؛ فالبحار الشاسعة، والمحيطات الهائلة، كانت مانعًا وحاجزًا كبيرًا، يمنع اتّصال القارات ببعضها البعض، وظلت البشرية في عزلة تامّة، وكل سكان بقعة من الأرض، يعتقدون أنهم هم البشرية جمعاء، حتى استطاع الإنسان أن يقهر البحر، ويمتطي ظهره، ويغزو الأرض، ويكتشف ما وراء البحار والمحيطات.
فالسفينة هي التي جعلت الكرة الأرضية قارة واحدة، تُزرع التوابل في الهند، وتُؤكل في أوروبا، وتُصنع المعكرونة في روما، وتُؤكل في القاهرة، والسفينة حين تشق طريقها في البحار، إنما تصنع ذلك بسرعات مختلفة، باختلاف أحجامها، وباختلاف الغرض منها، وفي السطور التالية سوف نتناول وحدة قياس سرعة السفن، فتابعونا.
لمحة تاريخية عن تطور السفن
لم يكن يتصور الإنسان قديمًا، أن مجموعة سيقان ألغاب التي كان يحزمها بألياف الكتان، ستصبح مدينة عائمة، تحتوي كل سبل الراحة والترفيه الآن، ويمكن ذكر مراحل تطور صناعة السفن على النحو الآتي:
المرحلة الأولى:
تحتوي بعض المتاحف على نقوش وصور، تشير إلى ابتكار الإنسان الأول لفكرة السفينة؛ وذلك بضمّ سيقان ألغاب المجوّفة بعضها إلى البعض في هيئة حزم، ثم شدّ هذه الحزم في حزمة واحدة، باستخدام ألياف الكتان، واستخدامها في عبور الممرّات المائية.
المرحلة الثانية:
مع طموحات الإنسان لعبور البحر، استبدل سيقان ألغاب، بعمل تجويف خشبي من أشجار البلوط القوي، والمقاوم للماء، على هيئة بطن طائر مجوفة، واستخدم المجداف في تحريكها وتوجيهها.
المرحلة الثالثة:
لم تتوقف طموحات الإنسان عند حدّ معين، فهو في سباق دائم مع الزمن؛ فأراد أن يختزل الشهور الطويلة في الإبحار، إلى أيام معدودات؛ فابتكر الشراع لتحريك سفينته، وإكسابها سرعة هائلة، مستغلًا دفع الهواء لتشق سفينته عرض البحر.
المرحلة الرابعة:
ومع اختراع محركات الوقود، زوّد الإنسان سفينته بهذا المحرك، فزاد من حجم سفينته، واستخدم المعدن القوي في بنائها، فزادت سرعتها، وزادت حمولتها، وجعل منها مدينة صغيرة، تطفو فوق الماء، لا تهاب الموج، ولا تعبأ بعرض البحر.
أنواع السفن
تتعدد أنواع السفن بتعدد أحجامها وأغراضها، فمنها ما يُتّخذ لنقل البضائع، ومنها ما يُتّخذ للنقل البشري، ومنها ما يُتّخذ لترفيه، وما إلى ذلك، وفيما يلي إيضاحًا مبسطًا لأنواعها:
سفن نقل البضائع: وهي سفن ضخمة البناء، وقوّية البنيان، تتخصّص في بنائها بعض الدول مثل كوريا الجنوبية، والصين، وفنلندا، وغيرها من البلاد الغربية، وتصل حمولتها إلى مئات الآلاف من الأطنان، وتجمع بين الحمولة الكبيرة والسرعة العالية.
ناقلات النفط: وهي سفن ضخمة، متخصّصة في نقل النفط، وهي سفن عابرة للقارات ، ومزودة بأجهزة أمان خاصة؛ لخطورة المواد التي يتم نقلها؛ فهي مواد قابلة للاشتعال، وفي حالة غرقها تمثل كارثة بيئية واقتصادية.
سفن نقل الركاب (عبّارات): وهي سفن تتدرج ما بين الصغيرة، وعملاقة الحجم، وتركّز هذه السفن على نوعية الخدمة، ومستوى الرفاهية الذي تقدمه لزبائنها، ومستوى الراحة، ووسائل التسلية أثناء رحلة السفر.
سفن الصيد: وتعدّ سفن الصيد الكبيرة المتخصّصة، مصانع بحرية عائمة؛ حيث تحتوي على وسائل عالية لحفظ المنتجات البحرية، وكذلك في بعض الأحيان تصنيعها وتعبئتها؛ فهي بحق مصانع منتجات بحرية عائمة.
سفن ترفيهية: وهي سفن صغيرة نسبيًا، تُستخدم من أجل السياحة البحرية، والبعض منها باهظ الثمن، يستخدمه بعض الأفراد بصفة مستقلة، من أجل الرياضات البحرية.
وأنواع أخرى كثيرة من السفن تُستخدم في الاغراض الحربية، والاستكشاف والدراسات البحرية، وما إلى ذلك من الأغراض الأخرى.
وحدة قياس سرعة السفن
وللسفن وحدة قياس بحرية خاصّة بها، أراد الإنسان أن يقدر بها الزمن، الذي سوف يستغرقه في البحر حتى يصل، وقد مرّت وحدات القياس بمرحلتين هما:
استخدام قطعة من الخشب أو مادة قابلة للطفو، ثم إلقائها في الماء عند مقدمة السفينة، ومراقبتها زمنيًا حتى تصل إلى مؤخرة السفينة، ومن خلال طول السفينة، والزمن الذي استغرقته، استطاع أن يحسب سرعة سفينته.
و بازدياد سرعة السفينة، وزيادة أعدادها أيضًا؛ كان لابد من وحدة متفق عليها لقياس سرعتها؛ لتتوافق والواقع العملي، والجدولة الزمنية لرحلاتها، فاستخدم في بادئ الأمر حبل طويل، ذو عقد على مسافات متساوية، ملفوف على بكرة، يتم إلقاء أوله مربوطًا في ثقل، والسفينة تمخُر في عرض البحر، والحبل ينسحب عقدة تلو العقدة، ثم حساب الزمن المستغرق مع عدد العقد.
ومن هنا كان مصطلح العقدة، وتبلغ العقدة مسافة قدرها 1852 مترًا، وهي أيضًا تساوي ميلًا بحريًا، وفي عام 1929م تمّ الاتفاق على العقدة كوحدة قياس دولية لسرعة السفن.
ظلت السفينة عبر التاريخ، هي حاملة الإنسان، وأمتعته عبر البحر إلى البر، وكذلك وسيلة ممتعة لترفيهه، تقاس سرعتها بوحدة قياس تم ابتكارها حديثًا، وهي العقدة.
جزاكم ربي خيرا
نحن سعداء يا عبده ، بقراءتك لموضوعنا.. ونتمنى تكون قد وجد ما تبحث عنه ..
وشكراً جزيلاً .. يا عبده