ما معنى التغذية الراجعة؟ في التعليم والتنمية البشرية وخصائصها

التغذية الراجعة

لطالما سعى الإنسان الهادف الناجح لمعرفة ما ينقصه في شتّى المجالات، في تواصله مع الآخرين، وفي إدارته لنفسه، وكذلك إدارته لوقته، وفي قراراته التي يتّخذها، وحتّى في لباسه؛ ولذا فإنّ كلّ فرد يسعى للنجاح في مختلف المجالات، فهو يسعى دائمًا للتغذية الراجعة، ولكن من أشخاص متخصّصين في مجالهم، يثق بهم محاولًا تحسين مهاراته؛ ليرتقي باستمرار، وليكون مواكبًا للزمن، والتغذية الراجعة هي موضوع مقالنا، فتابعونا.

 

ماهيّة التغذية الراجعة وتعريفها

تستطيع الأجيال المتقدّمة من الحواسيب استخدام ما يسمّى بالتغذية المرتدّة، أي إعادة استغلال المخرجات كمدخلات جديدة، والتكيّف معها وتشغيلها مرة أخرى، وهكذا في التنمية البشريّة، فإنّ مفهوم التغذية الراجعة يلتقي مع فكرة معرفة النتائج، لتحقيق مبدأ الكفاية التعليميّة، أي أنّ المتعلّم يعتمد على توجيه وتقويم خارجيّ، أي الحصول على معلومات تزوّده بمدى تقدّمه في تعلّمه وأدائه، وهي وسيلة لتنظيم المدخلات وربطها بالمخرجات.

إن مفهوم التغذية الراجعة هو مفهوم واسع ومتعدّد المجالات، ومتفرّع ومتداخل مع الكثير من العلوم، مثل التعلّم الحركيّ والتدريب، وعلم النفس، وطرق التدريس، وغيرها، وبالتالي فيمكننا تعريف التغذية الراجعة بأنها عبارة عن: “مجموعة من المعلومات يتلقّاها الفرد داخل المؤسّسة، أو البيئة المحيطة عن أدائه، ونتائجه، وما تعلّمه، والأخطاء التي مرّ بها، وكيف يمكن أن يتجاوز هذه الأخطاء مستقبلًا؛ حتّى يحصل على أفضل النتائج التي يرجوها”.

وهي أيضا: “كلّ المعلومات المقصودة، وغير المقصودة، التي تُعطى للمتعلّم، أو يحصل عليها عن طريق وسائل تعليميّة متخصّصة، أو عن طريق بعض الحواسّ الذاتيّة، من البيئة التي يتفاعل معها، في المحيط الخارجيّ أو الداخليّ؛ من أجل تحسين الأداء الشخصيّ، أو تحسين النتيجة، أو كلٍّ منهما”.

 

خصائص التغذية الراجعة

تتميّز التغذية الراجعة بعدّة خصائص، نتناولها فيما يلي :

التعزيزيّة

تشكّل هذه الخاصيّة محورًا رئيسًا في الدور الوظيفيّ للتغذية الراجعة؛ حيث تشجّع على إتيان المواقف التي تمّ تعزيزها، وبالعكس الاقلاع عن الأفعال غير المعزّزة، وقد ركّز علماء التعلّم السلوكيّ مثل بافلوف على هذه الخاصيّة، من خلال التغذية الراجعة، في اكتساب السلوكيّات الهادفة القابلة للبرمجة، إذ أنّه يرى أنّ إشعار المتعلّم بصحّة استجابته يعزّز سلوكه، ويزيد من احتمال تكرار السلوك الصحيح لديه فيما بعد.

الدافعيّة

تشكّل أيضًا هذه الخاصيّة محورًا هامًّا؛ حيث أنّها تساهم في إثارة دافعيّة المتعلّم للتعلّم، والإنجاز، والأداء المتقن؛ ممّا يجعله يستمتع بعمليّة التعلّم أو الأداء، ويقبل عليها بشوق؛ ممّا يؤدي إلى تعديل سلوكه أو استجابته.

التوجيه

تعمل هذه الخاصيّة على توجيه المتعلّم نحو انتقاء أفعاله؛ حيث تبيّن له الأداء المتقن فيترسخ لديه، والأداء غير المتقن فيقلع عنه، وهي ترفع من مستوى استمالته إلى الظواهر والنتائج المهمّة، والمهارة المراد اكتسابها، وتزيد من مستوى دافعيته واهتمامه بالتعلّم، فيتجنّب مواطن الضعف والقصور لديه.

 

شروط التغذية الراجعة

  • لتحقيق التغذية الراجعة بشكلٍ جيد، حتّى تؤتي ثمارها، لابد من توافر بعض الشروط نتناولها في الآتي:
  • أن تكون متنوّعة وشاملة لكلّ المعطيات البيئيّة المحيطة.
  • أن تتمّ في التوقيت والمكان المناسبين.
  • أن تكون مناسبة، وقابلة التعزيز والتوجيه، وتراعي الفروق الفرديّة لدى المتلقّين.
  • أن تتوافق كلّ من التغذية الراجعة الداخليّة، والتغذية الراجعة الخارجيّة مع بعضهما البعض.

 

تطبيقات التغذية الراجعة

يتمّ استخدام التغذية الراجعة في كثير من المجالات العمليّة، يمكن تناول بعض منها على النحو التالي:

 

أوّلًا: في مجال التنمية البشرية

  • تعدّ التغذية الراجعة من أهمّ العوامل التي يتّبعها رؤساء الشركات، والمدراء التنفيذيين، كأسلوب عملٍ جيد؛ لتحسين آداء مرؤوسيهم.
  • خلق نوع من المصداقيّة والثقة والشفافيّة، خاصّةً في مجاليّ التسويق، والإعلام.
  • القدرة على إدارة الذات؛ فيستطيع الشخص من خلال التغذية الراجعة تحسين تكيّفه مع المجتمع، وخلق فرص عمل لذاته؛ لتكيّفه مع متطلّبات سوق العمل.

 

ثانيًا: في مجال التعليم

إنّ التغذية الراجعة هي من أهمّ المهارات التي يجب أن يتمتّع بها كلّ معلّم، يهتمّ بغرس القيم في طلابه، وتطوير مهاراتهم، فهي تلعب دورًا حاسمًا في عمليّة التعليم والتعلّم، من خلال المساعدة في تبنّي المعارف الجديدة في أقرب وقت، وتجنّب الأخطاء المتكرّرة، كما تساعد على تعلّم مهارات جديدة، والحصول على نتائج أفضل، ومن هنا فإنّ التغذية الراجعة تُبقي المتعلّم على المسار الصحيح طول الوقت، وذلك من خلال الآتي:

  • تقوية الاستجابة التفاعليّة لدى المتعلّم، وإعلامه بنتيجة أدائه؛ لتحفيزه، ولجعله يطوّر من ذاته باستمرار.
  • استثارة الدافعيّة لدى المتعلّم نحو العمليّة التعليميّة؛ للوصول إلى أفضل النتائج.
  • اختزال المسافة بين الإنسان بصفة عامّة والهدف.
  • تصحيح الاستجابات الخاطئة باستمرار على طول الوقت.
  • جعل التعليم أكثر تشويقًا وإثارة، وزيادة التفاعل بين المعلّم والمتعلّم.
  • تساعد في معرفة وتحديد الزمن الذي يحتاج إليه المتعلّم، لتحقيق الأهداف التعليميّة.
  • تعدّ حافزًا للمتعلّم نحو تعلّم أسهل، وأداء أفضل.

 

ثالثًا: على مستوى تطوير الذات

تعمل التغذية الراجعة على تزويد الشخص بالمهارات والخبرات غير المباشرة، التي يكتسبها بالتفاعل السلبيّ ( ترك) أو الإيجابيّ (أداء)، مع المواقف التي تحدث في البيئة المحيطة به.

تعتبر التغذية الراجعة علمًا جديدًا نسبيّا، في مجاليّ التنمية البشريّة، والتعلّم، إلاّ أنّها تتقدّم بخطوات متسارعة؛ لما لها من قدرة على خلق إنسانٍ يتطوّر مع الزمن، لا أن ينظر إليه وهو ينسحب من جانبه، فبالتغذية الراجعة يصبح الإنسان رجلًا لكلّ زمانٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *