إذا قمت بضرب كرة تنس بالمضرب، أو أطلقت طلقة نارية في الهواء، فستظل كل من كرة التنس، أو الطلقة النارية منطلقة في الهواء، حتى تسقط كل منهما على الأرض، بعد مسافتين مختلفتين من نقطة قذف كل منهما، أو بعد مدة من الزمن، وبإمعان النظر في حالة كل منهما سنجد أن الكرة، أو الطلقة النارية، انطلقت بأقصى سرعة في بادئ الأمر، ثم إن معدل سرعتها أخذ خطًا مستقيمًا لفترة، ثم أخذ هذا المعدل في الانخفاض لأدنى درجة، حتى تصبح سرعتها فى لحظة ما صفرًا، فتسقط على الأرض.
إن سلوك الكرة هذا، كان مسلّمة من المسلّمات الفيزيائيّة، حتى جاء العالم الرياضي إسحق نيوتن؛ ليحطم هذه المسلّمة بقانونه الأول للحركة، وهو موضوع مقالنا فتابعونا.
معامل الاحتكاك أو المقاومة
عندما نقوم بدحرجة كرة على سطح ما، فستستمر الكرة في الحركة حتى حين، ثم تقف، وإذا استبدلنا هذا السطح بسطح أكثر نعومة، فإن الكرة ستستمر في الحركة لمسافة أطول، وهكذا، فكلما كان السطح أملسًا، كلما كان احتكاك الكرة به أقلّ، أي كلما قلّت المقاومة، كلما استمر الجسم في الحركة.
إذن معامل الاحتكاك أو المقاومة، هي التي تحدّ وتقلل من سرعة حركة الجسم، مع مرور الزمن، حتى يصل إلى السرعة الصفريّة، فيتوقف الجسم عن الحركة، وينتقل إلى حالة السكون، فالسكون هو نتيجة يؤول إليها الجسم بسبب معامل الاحتكاك، وليس نتيجة حتمية لنهاية أي حركة.
قانون الحركة الأول لنيوتن
استطاع نيوتن من خلال تجاربه السابقة على السطوح الملساء، أن يصل إلى نتيجة مفادها أنه، إذا استطعنا أن نصل إلى معامل احتكاك، أو مقاومة صفرية للجسم المتحرك، فإنه سيظل متحركًا إلى مالا نهاية، بفعل القوة التي سببت الحركة الأولى للجسم.
أما إذا ترك الجسم على حالة السكون، دون التأثير عليه بأي قوة خارجة عليه، فسيظل في حالة السكون هذه إلى مالا نهاية أيضًا، وقام نيوتن بصياغة هذه الظاهرة، في قانون نيوتن للحركة، الذي عُرف بقانون نيوتن الأول، وفقًا لترتيب قوانين نيوتن اللاحقة عليه.
وينص قانون نيوتن على: “إن الجسم المتحرك يظل متحركًا، ما لم تؤثر عليه قوّة تغير من حالته، ويظل الجسم الساكن ساكنًا، ما لم تؤثر عليه قوّة تغير من حالته”.
مفهوم القانون الأول لنيوتن
من خلال المواقف الحياتيّة التي نمرّ بها، كممارستنا للرياضة مثلًا، فقذفنا للكرة بعد تثبيتها على الأرض، فنحن بذلك نكسبها قوّة من خارجها، فننقلها من وضع السكون الأول إلى وضع الحركة؛ فهي تتحرك بفعل هذه القّوة، وليس بفعل أي قوّة بداخلها، كقوّة المحرك في السيارة.
هذه الحركة ستظل حركة دؤوبة، بدون أي تغير، سواء في السرعة، أو الاتجاه، وستظل إلى مالا نهاية أيضا، ولكن إذا أثرت عليها أي قوة خارجية مضادة، كقوة الاحتكاك بالأرض، أو الهواء، أو أن تصطدم بأي شيئ آخر؛ فإنها في هذه الحالة، ستنخفض سرعتها، وستغير من حركتها حتى تتوقف.
هذا ما يعرف بالقصور الذاتيّ، أي أن الجسم يكون قاصرًا قصورًا ذاتيًا، عن أن يغير من حالته التي يكون عليها مطلقًا، سواء حالة الحركة أو حالة السكون، إلى أن تغير من حالته أي قوّة خارجة عنه.
بعض التطبيقات العمليّة لقانون نيوتن الأول
كان لقانون الحركة لنيوتن، عظيم الأثر في الفكر الفيزيائيّ، والتطبيقيّ، على حدٍ سواء، وذلك على النحو الآتي:
-
على مستوى الفكر الفيزيائيّ: كانت هناك مسلّمات فكريّة، تقيد إبداع العلماء للانطلاق، كفكرة السكون الحتميّ للجسم المتحرك، ولكن جاء نيوتن ليفنّد هذه المسلّمة، ويُرجع هذا السكون بعد الحركة، إلى عوامل خارجة عن سلوك حركة الجسم، كقوّة الاحتكاك، أو المقاومة الواقعة على الجسم المتحرك، وسكونه بعد الحركة يرجع إلى هذه العوامل، وليس للمصير الحتميّ للحركة ذاتها.
-
على المستوى التطبيقيّ: من نتائج القانون الأول لنيوتن، غزو العلماء للفضاء، فقد استطاع العلماء، النفاذ من قوّة الجاذبية الأرضية، التي كانت تقاوم حركة الأجسام، إلى أن وصلوا إلى منطقة اللاجاذبية، والتي تعتبر مكانًا مثاليًا لتطبيق قانون نيوتن الأول، وهناك تظلّ الأقمار الصناعية في حركة دؤوبة بدون توقف؛ للقصور الذاتيّ لها، وتستمر متحركة بقوّة الدفع الأولى، وتظلّ هكذا دون أن تحركها أي قوة محركة أخرى.
ويظل العالم مدينًا في غزوه للفضاء، لقانون نيوتن الأول؛ فقد غيّر الفكر الفيزيائيّ لسلوك الحركة، وحتى السكون؛ فهو ليس سكون مصيري أبدي، وإنما هذا الساكن سيتحرك لحظة ما.