تعتبر الكثافة هي قوام الحياة على كوكب الأرض؛ فهي ظاهرة فيزيائية، تعتمد عليها ديناميكية الحياة بأسرها، فلولاها لغمر الماء الكرة الأرضية، وما سبحت الطائرة في عنان السماء، وما ركب الإنسان البحر، باستخدام سفنه العملاقة، وما صعد الماء إلى الأوراق وأغصان الشجر، ولتخسر الدم، وتحلّل إلى مركباته الأولية، فبإختصار شديد فإن الكثافة هي الحياة، وللأهمية البالغة للكثافة في حياتنا، سوف نتناولها بالتفصيل، من خلال مقالنا هذا، فتابعونا.
اكتشاف الكثافة
يعدّ عالم الطبيعة الفيزيائي اليوناني أرشميدس، هو مكتشف الكثافة عام 237 ق م، من خلال ملاحظته العلمية لظاهرة غوص مسمار من الحديد، وطفو قطعة من الخشب، حتى ولو تم دقّ المسمار في تلك القطعة من الخشب، لطفت به أيضًا.
وقد لاحظ أرشميدس، أن هناك علاقة رياضية تربط بين الكتلة والحجم، والتي يترتب عليها طفو مادة، وغوص أخرى، وهي ما يطلق عليها الكثافة.
قانون الكثافة
من خلال دراسة العلاقة بين كتل بعض المواد وأحجامها، استطاع أرشميدس أن يصوغ العلاقة الرياضية بين الكثافة، والكتلة، والحجم، في القانون الآتي:
الكثافة = الكتلة ÷ الحجم.
وهذا يعني أن كثافة أي مادة، تساوي كتلة وحدة الحجوم من المادة، على نفس وحدة الحجوم لتلك المادة.
ماهيّة الكثافة
ولفهم ماهية الكثافة، لابد لنا من معرفة ماذا تعني كل من الكتلة والحجم بادئ ذي بدء، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: الكتلة
الكتلة هي مقدار ما تحتويه وحدة الحجوم من مادة، فكتلة الحديد مثلًا، تعني مقدار ما تحتويه وحدة الحجوم من ذرات مادة الحديد.
ثانيًا: الحجم
وهو مقدار ما تشغله كتلة وحدة الحجوم من المادة من حيز أو فراغ، وهناك بعض الأحجام المنتظمة هندسيًا، والتي حجمها يساوي الطول في العرض في الارتفاع، وعليه فإن الكثافة، هي عبارة عن ناتج كتلة وحدة الحجوم من المادة، موزّعة على حجم وحدة الحجوم لتلك المادة.
تعريف الكثافة
مما سبق نستنتج أن كثافة المادة ترتبط بمتغيرين أساسيين هما، الكتلة لوحدة الحجوم من المادة، وحجم تلك الكتلة ، أي مقدار ما تشغله كتلة وحدة الهجوم من حيز أو فراغ، وبالتالي فإن الكثافة تعرف بأنها: ” مقدار ما تشغله وحدة كتلة الحجوم لأي مادة من حيز أو فراغ”.
خاصيّة الكثافة
لو أخذنا كثافة كتلة كيلوجرام من الحديد ولتكن (س)، ثم أخذنا كثافة كتلة واحد طنّ من الحديد أيضًا، ولتكن (ص) – باستخدام قانون الكثافة- لوجدنا أن كل من(س)، و(ص) رقما واحدًا، أي متساويين، وذلك يرجع إلى أن كتلة الكيلوجرام من مادة الحديد، موزّعة على حجم نفس الكتلة، يساوي كتلة طنّ الحديد، موزعة على حجم الطنّ من الحديد أيضًا.
وهذا لأن حجم الطنّ من الحديد أكبر من حجم الكيلوجرام من الحديد، أي أن هناك علاقة تَناسب بين حجم الكيلو جرام من الحديد، وكتلته، وكذلك حجم طنّ الحديد وكتلته، وهي تساوي 1 : 1000، أي أن حجم الواحد طنّ من الحديد، يعادل ألف مرة حجم الكيلوجرام واحد حديد، وهو ما يجعل الكثافتين لهما متكافئة.
وبالتالي فإن الكثافة ثابتة لا تتغير لنفس المادة، مهما تغيرت كتلة العيّنة المأخوذة منها.
استخدامات الكثافة
الكثافة ظاهرة فيزيائية، تعتمد عليها حركة الحياة؛ وبالتالي تمّ استخدامها في كثير من المجالات الحيويّة، يمكن ذكر البعض منها في الآتي:
الملاحة الجوّية
تعتبر الطائرة بما تحتويه، كتلة ماديّة موضوعة في وسط غازي، وهو الهواء، ولكي تطفو الطائرة في ذلك الوسط؛ فلابد من جعل كثافتها أقل من كثافة ذلك الوسط؛ ولذلك تمّ تصميم أجنحة الطائرة هندسيًا، بشكل يجعل قوة دفع المحركات للهواء أعلى الأجنحة، أقل من أسفلها، فتقلّ كثافة الهواء أعلى الطائرة عن أسفلها، فتطير طافيةً في الهواء.
الملاحة البحرية
حيث يتمّ تصميم السفن، بحجم أكبر من كتلة حجم الماء المزاح بواسطتها ، فتظل السفينة طافية فوق سطح الماء، طالما أن كتلة حجم السفينة، أقلّ من كتلة حجم الماء المزاح من خلالها.
إطفاء الحرائق
يتم استخدام مواد ذات كثافة أقلّ من المواد القابلة للاشتعال مثل النفط؛ فعند إطفاء الحرائق، تطفو تلك المواد فوق سطح المواد المشتعلة، فتقوم بإطفائها.
صناعة العوّامات المائية
يتمّ تصنيع العوامات من الكاوتشوك المفرغ، ثم يتمّ ملؤها بالهواء الأقل كثافة من الماء، فتظل طافية فوق سطح الماء.
الغواصات المائية
استغلّ العلماء قانون الكثافة في صناعة الغواصات الحربية؛ بجعل كتلة الغواصة أكبر بقليل من كتلة الماء، وذلك عن طريق محركات الدفع، فتظل الغواصة مغمورة في الماء حتى مسافة محددة، لتؤدي مهامها.
حبا الله الطبيعة ظاهرة الكثافة؛ لتستمر الحياة في ديناميكية، وحركة دؤوبة دون توقف، ولا ينضب فكر العلماء من استخدامها؛ لخدمة البشرية.