التقويم الهجري العماني

التقويم الهجري العماني

على الرغم من وحدة الثقافة العربيّة المشتركة، إلّا أنّه لكلّ بلدٍ عربيٍّ طابعه الخاصّ، الذي يميّزه عن بقيّة البلدان العربيّة الأخرى في بعض مكوّنات تلك الثقافة، سواء في الملبس، أو المأكل، أو المشرب، أو بعض العادات والتقاليد الاجتماعيّة، والتقويم الرسميّ أيضًا، ولقد تميّزت سلطنة عمان بكثيرٍ من المميّزات الثقافيّة، التي تجعل منها بلدًا وشعبًا متميّزًا وسط الشعوب، من السماحة الدينيّة، والسِّلم المجتمعيّ، والتقويم ليس بمنأى عن هذا؛ فلقد عنيت وزارة الأوقاف والشئون الدينيّة العمانيّة بالتقويم الهجريّ أيّما عناية؛ ممّا جعل من التعامل معه عمليّةً من السهولة واليسر بمكان، والتقويم الهجريّ العمانيّ هو موضوع مقالنا، فتابعونا.

 

نبذة عن التقويم الهجريّ

التقويم الهجريّ هو امتداد للتقويم العربيّ، الذي يعتمد على المنازل القمريّة في تحديد الزمن، والذي قد مرّ بمرحلتين، يمكن إيضاحهما على النحو التالي:

أولا: التقويم العربيّ قبل الإسلام وحتّى 16ه‍ – 622 م

اعتمد العرب قديمًا على دورة القمر حول الأرض، أي دورة الفترة ما بين بزوغ أو ميلاد القمر هلالًا، وحتّى أن يصير القمر محاقًا، أو بالأحرى ميلاد هلال الفترة التالية لتكون تلك الفترة شهرًا، والتي تستغرق ما بين 28 و29 يومًا لكلّ دورة، على أن تكون السنة مجموع 12 دورة منها؛ ليكون ذلك التقويم خاصًّا بهم، يناسب حالتهم البدويّة، ويعتمدون عليه في تنظيم شئون حياتهم السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.

ولم يتبلور ذلك التقويم في شكله الرسميّ إلا عام 410 م؛ حيث اجتمع سادة العرب للاتّفاق على توحيد مسمّيات تلك الشهور، وبداية السنة ونهايتها، وأيضًا لتحديد أشهر السلم والحرب إذا كان له مبرّرًا، وتحديد الأشهر الحُرم التي يمارسون فيها شئونهم الدينيّة والدنيويّة من حجٍّ أو تجارة، واستمرّ العمل بذلك التقويم حتّى 17ه‍.

 

ثانيًا: التقويم الهجريّ اعتبارًا من 17 ه‍ – 622 م

بدأ العمل بالتقويم الهجريّ في الخلافة العمريّة؛ حيث اتّخذ من تاريخ هجرة الرسول ﷺ بدايةً لذلك التقويم، وكان ذلك بعد 17 سنة من الهجرة النبويّة؛ ليكون هو العام الأوّل للتقويم، والذي يوافق سنة 622 م، مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه، مثل إطلاق لقب الهجريّ على التقويم، واتّخاذ شهر المحرم بدايةً له، مع البقاء على باقي نظام التقويم.

إلّا أنّه قام بعمل إجراءٍ جوهريٍّ بالغ الأهمية، ألا وهو اعتبار سنة الهجرة هي السنة الأولى للتقويم، وبذلك اختفت قرون من التقويم العربيٌ من التاريخ، والشهور الهجريّة هي المحرّم، وصفر، وربيع الأوّل، وربيع الآخر، وشهر جمادى الأوّل، وشهر جمادى الآخر، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجّة، وتتراوح أيام الشهر ما بين 28 و29 يومًا.

 

التقويم الهجريّ العمانيّ

تتميّز سلطنة عمان بموقعٍ جغرافيٍّ متميّزٍ؛ حيث تقع في الجنوب الشرقيّ لشبه الجزيرة العربيّة، وتمتدّ من مضيق هرمز شمالًا حتّى اليمن، وتطلّ جنوبًا على ثلاث بحارٍ، هي بحر العرب من الشرق، وبحر عمان والخليج العربيّ، ومن الغرب دولة الإمارات العربيّة والمملكة العربيّة السعوديّة؛ ممّا يجعل منها مرفأً تجاريًّا، وملتقى للحضارات.

كما أنّها تتميّز بعمقٍ تاريخيٍّ، وثقافةٍ إسلامية عريقة؛ حيث ينتشر المذهب الإباضيّ لأكثر من 70% من المسلمين، و30% لبقيّة المذاهب الأخرى، السنيّ، والشيعيّ، وغيرها، وهذا له دلالةٌ خاصّة عن مدى تمسّك السلطنة بالثقافة الإسلاميّة، ومنها التقويم الهجريّ، ويبدو ذلك جليًّا في الآتي:

  1. العمل الرسميّ بالتقويم الهجريّ والميلاديّ جنبًا إلى جنب.
  2. قيام وزارة الأوقاف والشئون الدينيّة بالسلطنة بإطلاق تطبيقٍ إلكترونيٍّ إسلاميٍّ للتقويم الهجريّ، يعمل على أنظمة الهواتف الذكيّة (آندرويد و IOS)؛ تيسيرًا على المواطنين والمقيمين بالسلطنة استخدامهم التقويم الهجريّ، ويستطيع هذا التطبيق تقديم الخدمات الآتية:
  • التاريخ الهجريّ، وما يقابله بالتقويمات الأخرى.
  • محوّل التاريخ.
  • لمناسبات الدينيّة والأعياد الرسميّة.
  • مواقيت الصلاة مع الآذان.
  • منبّه بأوقات الصلوات.
  • تحديد القبلة.
  • أقرب المساجد باستخدام خرائط GPS.
  • شكل القمر كلّ ليلة.
  • القيام بالحسابات الفلكيّة.
  • تقديم حكمة يوميّة.
  • مفكّرة شخصيّة.

تولي السلطنة العمانيّة للتقويم الهجريّ عنايةً خاصّة، ويُعتبر مردّ ذلك هو مدى التديّن الفطريّ للشعب العمانيّ، وكذلك ما للمذهب الإباضيّ من فلسفةٍ دينيّةٍ ودورٍ كبيرٍ في هذا المنحى، ولكن هل سيصمد التقويم الهجريّ طويلًا أمام التقويمات الأخرى؟ سندع الإجابة على ذلك للتاريخ.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *