كثيرةٌ هى فنون الأدب وتفرعاته، والعلوم الإنسانيّة لا تخلو من أجناس الإشباع والإمتاع والإقناع، مُسدية إلى البشريّة بهذا الصنيع فضلًا عظيمًا، والأدب بصفة عامة يُثري النفس الإنسانيّة ويُشبع فيها ملكة البحث والنظر، ومن أهم تلك المجالات التى يُعنى بها الأدب الإنسانيّ؛ مجالِ النّقد، الذي يكشف مكنون النصّ من وجهة نظر القارئ، أو المتلقي، وتحليله في صورة لوحة فنيّة أدبيّة، تضع المؤلف، ومناخ النص، والمتلقي، ضمن مكونات تلك اللوحة الفنيّة، وتعريف النقد كعلم يتناول دراسة النصّ بالتحليل والدراسة، من الأهمية بمكان، لذلك فهو موضوع مقالنا، فتابعونا.
ماهيّة النقد وتعريفه
إنَّ الفكرة الأولى التى تخطر على عقل السامع عند ذكر كلمة النقد، هى الذمّ والانتقاص والتقليل من شأن الشىء، أو الشخص المنقود، وتلافيًا لهذا الفهم الخاطىء، فقد أصبح استخدام لفظ النقد البنّاء، هو الأخلق والأجدر بالاستعمال، فالنقد ليس إلا تعبيرًا ووصفًا- منطوقًا كان أو مكتوبًا- عن صفات الشىء المنقود، سواء كانت حسنة كانت أو سيئة، ويكون ذلك التعبير أو الوصف من شخص يسمى الناقد، وليس نتاج عمل النقد سوى وجهة نظره الشخصيّة.
ويمكن إيجاز القول فى تعريف النقد؛ فى كلمة واحدة؛ التقييم، وهو عدم القبول برأى معين قبل تمحيصه، والنظر فى جوانبه المختلقة، وينقسم إلى خارجي يبحث فى أصل الرأى، وداخلي يبحث فى تفاصيل الرأى ذاته.
مواصفات النقد الجيّد أو البنّاء:
لا يكون النقد بناءً، إلا إذا توفّر فيه الإنصاف، بمعنى ذكر المحاسن والعيوب، أمّا الجور فى النقد بالاقتصار على المساوئ دون المحاسن، فلا يعدّ نقدًا بناءً، بل فى الحقيقة هو نقدٌ هدام، لكونه بغرض الحطِّ والإنتقاص من شأن العمل المنقود، ولابد أن تتوافر فيه مجموعة من المواصفات نتناولها في الآتي:
- أن يذكر مواطن القوّة ومكامنها فى النصّ أو العمل المنقود، وفى نفس الوقت مكامن النقص والعيوب.
- وهدف الناقد البنّاء ينبغى أن يكون تحسين الحسن ( بمعنى إظهار مواطن حُسنه)؛ بغية تقوية هذه الجوانب و تعزيزها والارتقاء بها.
- وكذا ذكر مواطن السوء، لا بهدف الذمّ، وإنما بهدف التقويم والتعديل.
- وربما يقوم الناقد بإسداء النصح النافع، أو اقتراح حلول مناسبة، أو تقويم ما كان من وجهة الناظر مُعوجًّا.
مجالات النقد
لا يقتصر النقد على المعنى المتبادر للذهن وهو النقد الأدبى، بل ينسحب على مجالات شتى فى الحياة الإنسانية، فهنالك النقد الأدبيّ، والنقد السياسيّ والنقد فى مجال المسرح، والسينما والاقتصاد، بل يمكننا القول أن شيئا من مجالات الحياة على تشعبها، لن يخرج عن خضوعه للنقد.
وكما تتشعب أصنافه ومجالاته، فكذلك تتنوع الآليات التى يتمّ طرح النقد من خلالها، فقد يتمّ العمل النقدي فى كتاب، أو وثيقة داخليّة، أو لقاء تلفزيونيّ أو إذاعيّ، أو خطبة سياسيّة أو غير ذلك.
أمثلة على مجالات النقد
تتناول مجالات النقد العديد من الفنون، يمكن ذكر أمثلة لبعض منها في الآتي:
النقد في الأدب: يقول جورجيّ زيدان « بتصرف فى الألفاظ » ؛ أن الانتقاد الأدبيّ للعمل المنقود، شعرًا كان أو نثرًا أو غير ذلك، ليس يعنى بحالٍ إحصاء العيوب فحسب، بل يشتمل النقد الصحيح على كلا الأمرين، ومن ثمّ فإطلاق لفظ الانتقاد والتقريض، هو على الحقيقة ذكر الحسن والقبيح، وأنه لولا الفائدة المرجوة من هذا الباب ما قام النقاد بطرقه.
النقد في الفن: تنوعت التوجّهات النقديّة في الفنون بشكل عام (كالرسم والتمثيل والغناء والرياضات وغيرها)، وأولت اهتمامًا خاصًّا للفنون التشكيليّة، لاسيما فى القرن الماضي، فاتّسع النقد الفنيّ مثلًا؛ ليكتنف توجّهات ضافرت بين الفلسفة والتنظير والتأريخ.
النقد فى السياسة: تفتق القرن الحالي والخالي عن مجال فسيح من التيارات النقديّة، السياسيّة، والفكريّة المتباينة، فما بين اليسار واليمين، ما بين الشيوعيّة والاشتراكية، ما بين مؤيد ومعارض، إلى غير ذلك، واتّسعت الهوّة بين هذه المذاهب والتيارات، وأُنشأت على أثرها الأحزاب المتعارضة، وأُلّفت فى كل مذهب كتب عديدة، وأخرى مناهضة تنقد المذاهب المغايرة.
كانت هذه لمحة عن النقد، بينّا فيها أهميته، وبعضًا من المجالات التى ينخرط فيها، وأنه شىء نافع إذا كان هدف الناقد الخير والبناء، وأن على الشخص المنقود أن يستفيد من هذا النقد، بدلًا من أن يتضجر منه.